الأحد، 29 أغسطس 2010

الإعاقة ... صورة وتصور خاطئ .. وتنشئة يندى لها الجبين


 كتب. عبدالله المغلوث

ذوو الاحتياجاتالخاصة لا يحتاجون فقط إلى بنية تحتية للمرافق والمنشآت التي تتلاءم مع ظروفهمومتطلباتهم. لكنهم بحاجة إلى أن نشيد لهم بنية تحتية للسلوكيات والأخلاقيات والفرص.
فور أن خرجنا منالحرم اختبأ طفل في الخامسة من عمره خلف أمه وهو يرتعش هلعا.
سألها وهو يغطيوجهه بعباءتها عن يدي الفتاة الصغيرة المفقودتين التي تسير أمامهما. فأجابته أمهقائلة: "أخذهما الله لأنها لا تشرب الحليب. فاحذر أن تصبح مثلها".
وفي مطعم بالخبرشاهدت أباً يحاول إطعام ابنه بالقوة. كان يحاول أن يفتح فم طفله عنوة. يضربه،ويقول له بصوت عال: "إن لم تأكل فسيلتهم الحرامي أطرافك ليلا وستتحرك بكرسيمتحرك مثل ابن خالك".
ولا أنسى كيف كنانهرب من ابن الجيران الذي يعاني من مشاكل في النطق والحركة كلما اقترب من الحديقةالتي نرتادها. كنا نلوذ بالفرار فور أن نشاهده خشية أن ينقض علينا ويأكلنا الواحدتلو الآخر.


تربينا ونحن صغارعلى أن الإعاقة عقوبة أنزلها الله على كل من ابتلي بها. وعندما كبرنا أصبحنا نهددبها أطفالنا إذا لم يأكلوا أو لم يشربوا. هذه التنشئة المبكرة الخاطئة جعلت ذويالاحتياجات الخاصة غرباء في أوطانهم العربية. منبوذون ومطرودون من المجتمع.محاصرون بنظرات الشفقة والتهكم والخوف.
ذوو الاحتياجاتالخاصة لا يحتاجون فقط إلى بنية تحتية للمرافق والمنشآت التي تتلاءم مع ظروفهمومتطلباتهم. لكنهم بحاجة إلى أن نشيد لهم بنية تحتية للسلوكيات والأخلاقيات والفرصفي المجتمع تسهم في تدفقهم واندماجهم فيه.
البداية يجب أنتبدأ من الأطفال
 أن نشرح لهم أن هذا ابتلاء من الله سبحانهوتعالى وامتحان وليس عقوبة وامتهانا. وأننا كلنا معرضون صغارا وكبارا لنفس ظروفهم.
وأن الحياة لاتتوقف عند إصابتنا أو مرضنا.
والأهم من الكلامهو خوض التجربة والعمل على تعريفهم بأصدقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ ليدركواأنهم لا يقلون شأنا عنهم بل ربما يتفوقون عليهم بعزيمتهم وإرادتهم.
  
مدرسة "سويسكاتج اس اي ان" لذوي الاحتياجات الخاصة بلندن تقدم برنامجا مذهلا لتعزيزالتواصل بين طلاب المدرسة والمحيط الخارجي.
 تفتح أبوابها لساعات محدودة أسبوعيا لضيوفهالزيارة ذوي الاحتياجات الخاصة. أتيحت لي شخصيا فرصة زيارة هذه المدرسة وانبهرت بمارأيت.
 مئات المتطوعين الصغار يملؤون الفصول والقاعاتوالملاعب. يلعبون ويلهون ويعدون الطعام لأترابهم محاطين بالسعادة والحماسة وصورالمشاهير من ذوي الاحتياجات الخاصة كديفيد بلانكيت وهينري فورد وستيفن هوكينج.يقول كريس (15 عاما) القادم من بورتسموث، جنوب شرق إنجلترا، وهو ينظف الطاولات بعدوجبة الغداء: "إنني لا أساعد زملائي هنا بل هم يساعدونني. هل تشاهد آدم هناك.إنه بارع في الرياضيات. بسببه حصلت على درجة كاملة في الفصل الماضي وبسببه أيضاسأكون هنا دائما".
آدم (16 عاما)أحد المصابين بشلل نصفي. لكنه مصاب أيضا بالإبداع. لديه موهبة فائقة في الرياضياتوكتاب سيصدر حديثا عن صداقته بالأرقام بعنوان: "كيف أصبحت رقما؟".

وفي نفس المدرسةشاهدت فتاة مصرية بارعة اسمها فاطمة. لديها موهبة كبيرة في البرمجة وتطبيقاتالكمبيوتر رغم أنها لم تكمل الأربعة عشر عاما.
 تعاقدت معها شركة ديل الأمريكية للعمل معهاابتداء من العام المقبل.
 تقول أمها التي ترافقها في بريطانيا:
 "ابنتي سعيدة جدا هنا. كدت أن أخسرها بعدان فقدت قدمها في حادث سير. كان الأطفال يهربون منها في القاهرة. لكن الآن في لندنصاروا يركضون نحوها".
 الأطفال هم ثمارنا. فلا ننتظر منهم أن يصبحواصالحين دون أن نرويهم إيجابية ونملؤهم محبة.


يقول الكاتبالأمريكي مايكل أندرسون:
 "إن الإعاقة نعمة. انظروا ماذا قدم توماسأديسون، وألكسندر جراهام بيل، وألبرت أينشتاين للبشرية. هل تعتقدون أنه سيكونبوسعهم أن يقدموا تلك الأعمال العظيمة لو خلقوا مثلنا؟".
شعوب العالمبرمتها تقدر ذوي الاحتياجات الخاصة وتثمن عطاءهم في حين نواصل قدحنا لهم بشكلمباشر أو غير مباشر.
 نروع بهم أطفالنا ونطفئ أملهم.
 إنهم لا يحتاجون إلى شفقتنا.
يحتاجون فقط إلىحقوقهم.
 أن نتعامل معهم بمساواة.
 ولا نتهكم عليهم.
 أهذا صعب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر قراءة