الثلاثاء، 18 مايو 2010

المدرسة المنتجة .... تجربة تركيا


لا يتصور البعض معادلة الطالب الذي ( يتعلم وينتج ويربح ) في آن واحد، لكن تركيا حاولت قبل أكثر من عقدين من خلال اتفاق مع البنك الدولي تأسيس هذه المعادلة في المدارس الصناعية التي يتعلم فيها الطلاب وينتجون ويتسلمون رواتب في أول كل شهر حتى وإن بدت صغيرة.
ويرتكز إنتاج هذه المدارس المنتجة التي يصل عددها إلى 347 مدرسة من إجمالي 1473 ثانوية صناعية في قطاعات الملابس والمنسوجات والأثاث المنزل والمكتبي القائمة على الأخشاب والبلاستيك والألوميتال والحديد والديكور الداخلي وقطع الأجهزة الإلكترونية والعمارة.


ووفقا لقطاع التعليم الفني بوزارة التعليم فإن حجم الإنتاج السنوي للمدارس الصناعية الثانوية بلغ ما قيمته 65 مليون دولار (الدولار= 1.5 ليرة تركية) عام 2004، كما حقق أرباحا في هذا العام بلغت 7 ملايين دولار.
ورغم المشكلات التي تعرضت لها هذه المدارس منذ بدايتها عام 1984 بسبب ضعف المخصصات المالية الحكومية خاصة إبان الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد بين عامي 1994 و2001.. فإنها نجحت في الاستمرار بسبب مصادر التمويل الأخرى من خلال المدرسين والطلاب أنفسهم، كما يقول رجب إيشيق مدير إدارة التشغيل بوزارة التعليم التركية ؛ فالمدرس يدفع مبلغا يصل لـ12 دولارا، فيما لا يصل مبلغ الطالب إلى دولارين.
وحسب إيشيق يمول هذا المبلغ عملية شراء المواد الخام المستخدمة في الإنتاج، ومع نهاية كل عام يخرج ربح صافٍ من عمليات بيع المنتجات، ويتم توزيعه على الطرفين (المدرس والطالب) طبقاً لحصة كل منهما.
ولعبت هذه المدارس الصناعية دورا في إنعاش صناعة الملابس والمنسوجات التي يصل حجم الصادرات التركية منها في السنوات العشرة الأخيرة من 12- 15 مليار دولار، وهذا الأمر دفع مراد بغ رئيس شعبة العاملين بالساعات بغرفة تجارة إستانبول إلى السعي لإنشاء أول مدرسة فنية متخصصة في تعليم وإنتاج وصيانة وإصلاح الساعات، مستفيدا بقيمة 150 ألف دولار سيقدمها صندوق التنمية بالاتحاد الأوربي لتركيا ضمن المخصصات التي تقدم للدول المرشحة لعضوية الاتحاد.
ويؤكد بغ أن إنشاء مدارس صناعية متخصصة في إنتاج الساعات سيوفر على تركيا سداد مبلغ يقدر بحوالى 120 مليون دولار تنفقها تركيا سنويا على استيراد ساعات من الخارج.

مزايا هذا النوع من التعليم المنتج يعددها لنا الطالب مصطفى أردوغان-16 سنة- بمدرسة عاصم قوجابييك الصناعية بإستانبول؛ حيث يقول:
إنه يحصل على دخل شهري ما بين 30 و50 ليرة تشجيعا له على الدراسة والعمل والإنتاج، وهو ما يساعده على تحمل مصاريفه بدلا من زيادة الأعباء على أسرته، فضلا عن عدم وجود تعارض بين العمل بالورش الإنتاجية وحصص وأوقات الدروس النظرية.
ويبرر أردوغان اختياره لهذا النوع من التعليم لتلاؤمه مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية لعائلته، وعدم قدرته على تلقي التعليم الثانوي العام الذي يتطلب الحصول على درجات عالية في امتحان الشهادة الإعدادية، فضلا عن صعوبة اجتياز امتحان دخول الجامعات، وكذلك ما يتطلبه التعليم الجامعي من مصروفات ليست متاحة لدى أسرته.
لكن الطالب يرى أن مشكلته تتمثل في بُعد المدرسة عن منزله، وعدم وجود مواصلات رخيصة الثمن أو جماعية كثيرة تساعده على الراحة في الذهاب والإياب، كما يشكو من الوجبات المدرسية، وأنها لا تحتوي على عناصر توفر له الطاقة للممارسة العمل في اليوم الدراسي الذي يبدأ في الثامنة صباحا وحتى الرابعة عصر.

مشكلة الجودة
وتظل هناك مشكلة في جودة السلع التي تنتجها هذه المدارس الصناعية؛ حيث لم ترقَ لمستوى الشركات الأخرى التي تملك بالطبع تقنيات تفوقها، وهو ما يتطلب من وجهة نظر مدير إحدى المدارس الصناعية بإستانبول إنشاء مركز للتسويق داخل قطاع التعليم الفني بوزارة التعليم، ويكون لهذا المركز حرية في العمل والقرارات تشبه حرية أصحاب الشركات في تسويق منتجاتهم، وعقد وإبرام الصفقات بالداخل والخارج.
كما أن إقامة معرض سنوي أو نصف سنوي لمنتجات هذه المدارس بالمحافظات التركية الكبيرة سيوفر فرصة جيدة للتسويق والعرض، وإبرام عقود تصنيع وإنتاج، بما يدفع هذه المدارس للمزيد من الكفاءة التنافسية في منتجاتها.
ويدعو مدير المدرسة إلى فتح أبواب الشركات الكبيرة أمام تدريب طلاب تلك المدارس؛ حتى يلقنوا طرائق وأساليب متطورة فى الصناعات، ويتعاملوا مع ماكينات حديثة تنعكس على أفكارهم والأعمال الإنتاجية الموجودة بالمدارس، وتوفر لهم أجواء تساعدهم مستقبلا على الانخراط في الوسط العمالي دون مشاكل.

مطلوب رفع المعنويات
الإناث لهم نصيب من هذه المدارس المنتجة، لكنها لا تتلقى الدعم الكافي من المؤسسات الصناعية التركية كما تقول آينور آق دوغان المعلمة بثانوية النسيج الصناعية (بنات) بإستانبول، لا سيما إذا قارنا ذلك بالمدارس الصناعية المرتبطة بالشركات الصناعية كما هو الحال مع ثانوية الطباعة التى ينفق عليها وقف آيدين دوغان الخيري المدعوم من المجموعة التجارية الضخمة صاحبة مؤسسة حريت وميلليت ومحطات تلفزيونية وغيرها.
مشكلة أخرى ترصدها لنا فاطمة قيلتش -مدرسة علم نفس تربوي- وهي أن المجتمع التركي ما زال قسم منه يرى أن ثمة تدنيًا للطالبات والطلاب الدارسين بالمدارس الصناعية والمهنية، وهو ما يؤثر نفسيا على معنويات الطلاب الذين هم أكثر فائدة من غيرهم؛ لأنهم يدرسون وينتجون ويخففون من الأحمال المالية على عائلاتهم، ويتخرجون وقد عرفوا طريق العمل والكسب.
كما أن قبول نسبة 10% فقط منهم بالتعليم العالي والجامعي سنويا نسبة متدنية من وجهة نظر قيلتش؛ لأنها لا تشجع الطلاب على الإقدام على هذه المدارس، والمفترض أن ترفع هذه النسبة إلى 20% على الأقل من زاوية التناسب مع أعداد الدارسين بهذه المدارس قياساً على أعداد الطلاب الدارسين بالثانويات العامة.
ورغم سلبيات النموذج التركي في المدارس المنتجة فإنه استمر، ووجد قبولا في دولة يمثل فيها القطاع الصناعي أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وهو ما يتطلب مزيدا من المخصصات المالية سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، لا سيما أن هذه المدارس تقدم لسوق العمل سواعد فنية فتية ومدربة للشركات والمصانع.

المصدر: منتدى جزائرنا لكل الجزائريين والعرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر قراءة